يُعرَّف تقسيم السوق بأنه: “عملية تقسيم السوق الكليّة إلى مجموعات أصغر، من المستهلكين الذين يشتركون في احتياجات، أو يتشابهون في الخصائص”.
لكننا جرَّبنا هذا التعريف على أرض الواقع، وطبَّقناه على حملات فعلية، ورأينا أين ينهار.
الخلل ليس في التعريف ذاته، بل في الاكتفاء به إطارًا ذهنيًّا جامدًا.
لنضرب مثالًا من تجربة حقيقية: عندما بدأنا حملة تحسين محركات البحث لشركة تُقدِّم خدمات الاستشارات القانونية، حدَّد العميل شريحته المستهدفة بأنها “روّاد الأعمال الجدد في السعودية”.
هل هذا ممتاز؟ لا، فهذه الفئة عريضة جدًّا، بل إنها متناقضة أحيانًا، إذ إن “رائد أعمال تقني في الرياض” ليس كـ”تاجر عقارات في المدينة”، وكلاهما ليس كـ”امرأة تؤسِّس مشروعًا منزليًّا في جازان”.
هم من الفئة الديموغرافية نفسها، لكن كل واحد منهم يعيش مشكلة مختلفة تمامًا، ويبحث عن لغة مختلفة، ويتجاوب مع عروض مختلفة.
ما فعله فريق “نكتب لك” حينها هو ما نؤمن به دائمًا، حيث:
- تجاوَزنا التقسيم التقليدي (العمر، الجنس، الموقع الجغرافي).
- بدأنا من سؤال أعمق: ما اللحظة التي يقرِّر فيها العميل أنه بحاجة إلى هذه الخدمة؟
اكتشفنا أن ما يَدعم القرار ليس مَن هو الشخص، بل إن ما يدعمه هو “المرحلة” التي يمُرّ بها: هل هو في لحظة تأسيس شركة، أو في نزاع قضائي، أو أنه يجهِّز لطرح عام؟
وهنا نعيد تعريف تقسيم السوق: تقسيم السوق الحقيقي لا يبدأ من “مَن هو العميل؟”، بل مِن “في أي ظرف يتخذ القرار؟”.
والنتيجة هي أننا صمَّمنا ثلاث حملات مختلفة للخدمة نفسها، كل حملة تستهدف ظرفًا مختلفًا، وتجاوزت نسبة التحويل 9% في الشهر الأول، في حين أن المعدَّل المعتاد في القطاع لا يتجاوز 3%.
الخلاصة هنا ليست أن تقسيم السوق غير كافٍ، بل هي أن التسويق السطحي لتقسيم السوق يؤدي إلى قرارات عرجاء، وإعلانات لا تخاطب أحدًا.
فوائد تجزئة السوق: لماذا لم يَعُد تقسيم السوق رفاهية؟
هناك قرارات تسويقية يمكن تأجيلها، لكن تقسيم السوق ليس منها.
تجزئة السوق ليست مجرد خطوة ضمن خطة العمل، بل هي العدسة التي ترى بها السوق بأكملها، وبدونها أنت لا تتعامل مع بشر، بل مع أرقام مجردة لا تُبنَى عليها حملات، ولا تصنع منها علامات.
في الفقرة التالية نفكِّك الفوائد الجوهرية التي يمنحها لك تقسيم السوق، ونعرضها كما عايشناها نحن في “نكتب لك”، أو كما تجلَّت في قصص شركات سعودية حقَّقت نموًّا لافتًا، حين اختارت أن تستهدف، لا أن تعمِّم.
1. خفض تكلفة التسويق وزيادة العائد:
حين تستهدف شريحة محددة، تعرف لغتها واحتياجاتها بدقة، تقل الرسائل التسويقية العامة، وتنخفض تكلفة الاستهداف في الإعلانات، وتزداد معدلات التحويل.
من الواقع: عمِلنا في مشروع سعودي ناشئ، كان يُعلن بشكل عشوائي لكل مَن يبحث عن “تطبيق توصيل”…
بعد التقسيم، ركَّزنا على جمهور “الأمهات العاملات في المدن الصغيرة”.
كانت النتيجة نقصًا في تكلفة النقرة بنسبة 42%، وزيادة في الطلبات بنسبة 60%، خلال 30 يومًا فقط.
2. بناء هوية تجارية متماسكة:
لا يمكن بناء علامة تجارية تُحفَظ وتُحَب وتُشارَك، إذا كانت تخاطب الجميع بالطريقة نفسها، لكن حين تُخاطب فئة محددة، فإن هويتك تصبح انعكاسًا دقيقًا لما يشعرون به.
مثال: “جاهز” لم تقل إن خدمتها أسرع توصيل، بل قدمت نفسها بوصفها تجربة فاخرة للتوصيل الذكي، تستهدف فئة تبحث عن الدقة والراحة، وليس فقط عن السعر.
3. تقديم منتج أفضل:
تقسيم السوق لا يخدم التسويق فقط، بل ينعكس مباشرة على تطوير المنتج نفسه.
مثلًا: حين تعمل على منتج محاسبي (مثل: فوم، أو قيود)، وتُحدِّد أن جمهورك الأساسي هو “المتاجر الصغيرة في السعودية”، ستكتشف أن:
- الربط مع هيئة الزكاة ضرورة.
- اللغة يجب أن تكون مفهومة وغير تقنية.
- لوحة التحكُّم يجب أن تشرح نفسها بنفسها.
لو حاولت خدمة كل مَن يحتاج إلى المحاسبة، لغرِقت في تقديم كل شيء، وفقدت التميُّز في أي شيء.
4. رفع ولاء العميل وزيادة التوصية:
العميل لا يُوصي بخدمة جيدة، بل يُوصي بخدمةٍ شَعَر بأنها صُمِّمت له.
حين يشعر العميل بأن المنتج يُلبِّي احتياجه بدقة، وأن المحتوى يتحدث بلُغته، وأن الواجهة تَفهَمه أكثر مما يفهم نفسه، يتحوَّل تلقائيًّا إلى سفير للعلامة.